الأحد الرابع عشر من لوقا

View the English version

المقطع الإنجيلي اليوم يتحدث عن شفاء أعمى أريحا من إنجيل لوقا الإصحاح 18: 35- 43.

تُعتبر هذه المعجزة الرابعة والأخيرة في رحلة يسوع نحو الصليب، إذ يذكر الإنجيلي لوقا أنه بعد حادثة الشفاء هذه التقى يسوع مع زكا العشّار الذي باركه الربّ يسوع بحضوره الى بيته ” إذ حصل خلاص لهذا البيت “. من ثم “مضى يسوع صاعداً إلى أورشليم “( لوقا 19:28). يذكر الإنجيلي لوقا أنه فيما كان يسوع بالقرب من أريحا ” كان أعمى جالساً على الطريق يستعطي”. يبدو أن هذا الرجل الأعمى كان منبوذاً من المجتمع، حاله كحال جميع المُبتلين بأمراضٍ كالبَرص والعمى والذين كان اليهود يرَون فيهم قصاصاً من الله على فعل خطيئة قد تمتّ إما من الشخص نفسه أو من والديه، هذا كان الفكر اليهودي عن علاقة المرض بالخطيئة، فهذا الإنسان كان منبوذاً كونه كان يُنظر إليه أولاً كرجل خاطىء قد ابتُلي بعاهة بسبب خطاياه.

لقد سمع هذا الرجل الجَمع مُجتازاً، لقد شعر أن هناك أمراً ما غير اعتيادي وعندما سأل ما هذا أخبروه أن ” يسوع الناصري عابر”. يبدو أن هذا الأعمى قد سمع عن المعجزات التي صنعها الربّ يسوع في أماكن أخرى، هو لم يرى، ولكنه آمن بالسماع فقط . عندها بدأ بالصراخ: ” يا يسوع ابن داوود ارحمني!” المُلفت للنظر أن الأعمى لم يصرخ ” يا يسوع الناصري ” بل ” يا يسوع ابن داوود”.

لقد آمن هذا الأعمى أن يسوع المسيح هو المسيّا المُنتظر، كان يعرف من نبؤات العهد القديم أن المسيّا المُنتظر سوف يأتي من نسل داوود، ( مز 132: 11). لقب ” ابن داوود ” هو لقب المسيّا المُنتظر الذي سيأتي ليُخلص شعبه. لقد أدرك الأعمى مما سمعه عن معجزات يسوع أنه هو المسيّا المُنتظر في إشارة له من نبؤة أشعياء (61: 1). ” روح الربّ عليّ لأنه مسحني لأبشّر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعُمي بالبصر” ( لوقا 4: 18).

نلاحظ هنا أن هذا الأعمى كان يصرخ يا يسوع ابن داوود ” ارحمني “. لم يشترط على الربّ يسوع أن يشفيه من عماه. كان بالنسبة له رحمة الربّ أهم من شفائه. لقد وضع اتكاله كلياً على حكمة الربّ ورحمته، أراد الرحمة فقط وترك للربّ أن يُقرر تحت أي شكل تكون هذه الرحمة.

لقد حاول الجموع إسكات هذا الأعمى وتوبيخه كونه غير مُستحق أن يدنو من السيّد ولكن محاولاتهم باءت بالفشل. لم يستطيعوا أن يثنوا عزمه من طلب الرحمة. عرف أنه كونه أعمى لن سيتطيع اللحاق بيسوع ” فازداد صراخاً ” علّه بهذا يجعل السيّد ينتبه له ولحاجته. هذا ما نفعله في صلواتنا، نصرخ على الدوام ” يا ربّ ارحم “. هذه أكثر عبارة تُستخدم وتَتكرر في صلواتنا. بعد كل طلبة وصلاة، عند كل خطر وألم وشدّة نصرخ ” يا ربّ ارحم!”

لقد جذب صراخ الأعمى انتباه يسوع ” فوقف وأمر أن يُقدّم إليه “. لقد أحضروا الأعمى إلى يسوع فسأله ” ماذا تُريد أن أصنع لك؟” مما لا شك فيه أن الربّ يسوع كان يعرف حاجة الأعمى إلى شفاء عينيه ولكن كما في كل المعجزات يُريد الطلبة أن تأتي من الشخص نفسه. عندما سأله الربّ يسوع عن حاجته المباشرة أجاب الأعمى ” يا ربّ أن أُبصر ” فكان جواب الرب يسوع ” أبصر إيمانك قد خلصك “.

لقد فتح الربّ يسوع عيني الأعمى ولكن الأهم أنه قد انفتحت بصيرته الروحية فتبع يسوع وهو يُمجّد الله. أي أنه قد اعترف ضمناً أن يسوع الناصري هو المسيّا المُنتظر وهو الله. لقد كانت هذه المعجزة والتمجيد الذي قدمه الأعمى سبباً أن ” جميع الشعب إذ رأوا سبحوا الله “.

لقد كانت هذه المعجزة دينونة لليهود الذين كانوا يرون كل يوم معجزات الربّ يسوع ولم يؤمنوا به أنه هو المسيّا المُنتظر الذي تنبأ عنه أشعياء النبي. كانت عيونهم الجسدية تُبصر ولكن بصيرتهم الروحية كان مغلقة لا تُبصر. فصحّ فيهم قول الكتاب: ” الذين لهم أعين ولا يُبصرون ولهم آذان ولا يسمعون” ( أرميا 5: 21)

فلنتعلم من صلاة هذا الأعمى أن نطلب أولاً رحمة الله، أن نطلبها بإلحاح وصبر وإيمان ونترك للربّ أن يُظهر رحمته علينا بالطريقة التي يراها هو مناسبة لخلاصنا. وإن حاول البعض زجرنا وإسكاتنا فلنتابع الطلبة والربّ قريب منا، سوف يسمع صراخنا ويستجيب لطلبتنا ويُظهر رحماته علينا ويفتح بصيرتنا الروحية، أعين نفوسنا، حتى نراه الربّ والمُخلص فنتبعه ونحن نُمجّد الله ونسبحه على الدوام.

آميــــــــن

+ المتروبوليت باسيليوس قدسيّة