إقامة ابن أرملة نائين
هذا الأحد هو الأحد الثالث من لوقا والقراءة الإنجيلية من لوقا الإصحاح السابع العدد 11 – 16. يتكلم الإنجيلي عن معجزة إقامة ابن أرملة نائين (وهي مدينة تقع نحو الجنوب الشرقي من مدينة الناصرة). لم تكن هذه المعجزة الوحيدة لإقامة ميّت ولكن ربما هي المعجزة الأولى تلتها معجزة إقامة ابنة يائيروس التي وردت في (لوقا 8: 40- 56)، وإقامة صديقه لعازار من الموت من بعد أربعة أيام (يوحنا 11: 17- 44).
ما يُميّز هذه المعجزة عن المعجزتان الأُخرَيتان أنها قد تمَّت بناء على مبادرة من الربّ يسوع نفسه وليس بطلب من أحد. يقول المقطع الإنجيلي أنه من بعد أن شفى يسوع عبدٌ لقائدِ مئة كان مريضاً ومُشرفاً على الموت في كفرناحوم، انطلق في اليوم التالي مع تلاميذه وجمعٌ كثيرٌ إلى مدينة تُدعى نائين، وفي تلك المدينة كانت هناك أرملة فَقَدَت وحيدها الذي قد مات في ظروف غير معروفة. لقد كانت هذه الأرملة في وضع إنساني واجتماعي صعب للغاية. لم يكفي أنها كانت أرملة فقدت زوجها، بل أيضاً خسِرت ابنها الوحيد وهذا الحزن يُضرب به المثَل دلالة على الحزن الشديد، وها هي الآن خارجة لتدفن وحيدها وكان معها جمعٌ كثير من المدينة. لقد كانت مُحاطة بالأقارب والأصدقاء وأهل البلدة ورغم كل هذه التعزية البشرية التي كانت مُحاطة بها لم تُعوِّضها عن ابنها ولم تمنحها لا السلام ولا التعزية بخسارة وحيدها.
لقد انطلق موكب الجنازة هذا والنعش (الموت) في وسطه ومن الجهة الأخرى اقترب موكب التلاميذ والربّ يسوع (الحياة) في وسطه. التقى الموكبان على باب المدينة، موكب الموت (الجنازة) وموكب الحياة (الربّ يسوع) فكانت الغَلبَة للحياة على الموت. ” أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا جحيم ؟ “. يقول الرسول بولس في (1 كورنثوس 15: 55).
لقد حرّك منظر هذه الأرملة قلب الربّ يسوع ” فتحنّن عليها “. لقد شعر بألمها وحزنها وهو الربّ الرؤوف والمُتحنِّن، الطويل الأناة والكثير الرحمة. ” أبو الرأفات وإله كل تعزية ” (2 كورنثوس 1: 3)، لم ينتظر منها أن تطلب إليه أن يُساعدها ولا أي من الحاضرين وهي ربما لم تلحظ وجوده كونها كانت بتكي ومُحاطة بالجموع، هو بادَرَ من تلقاء ذاته واقترب منها أولاً وقال لها مُعزّيا ” لا تبكي “. ثم دنا ولمس النعش فوق الحاملون، لم يكتف بتعزيتها بالكلام فقط بل بالفعل أيضاً فأوقف النعش وقال للشاب الميّت، ” لكَ أقول قُم “، فاستوى الميّت وبدأ يتكلَّم فسلّمه إلى أمه. لو أن أي إنسان آخر قد فعل هذا العمل وتكلّم مع الميّت بما قاله الربّ يسوع لكان عُرضة للهزء والسخرية من الجموع، ولكن كلمة الربّ يسوع كما يقول بولس الرسول ” كلمة الله حيّة وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدّين ” هذه الكلمة ليست مجرّد ذبذبات صوتية بل هي كلمة تحمل قوة الحياة. يشهد النبي أشعيا في العهد القديم عن كلمة الربّ أنه ” هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي، لا ترجع إليّ فارغة بل تعمل ما سُررت به وتنجح فيما أرسلتُه لها ” (أشعياء 55: 11).
يذكر الكتاب المقدّس كيف أن الربّ يسوع أظهر تحننّه على الجموع مراراً وشفى أمراضهم وعزّاهم كما أظهر اهتمامه بحاجاتهم الجسدية ” فلما خرج يسوع رأى جمعاً كثيراً فتحنّن عليهم إذْ كانوا كخرافٍ بلا راعٍ “(مرقس 6: 34) و(متى 9: 35).
لم يَظهر الربّ يسوع أمام هذه الحادثة بمظهر المتفرّج اللامبالي والغير مُكترث بالألم والحزن البشري، لقد تدخل في حياة هذه الأرملة وأقرن القول بالفعل، لقد عزّاها أولاً قائلاً ” لا تبكي ” ومن ثمّ ” أقام وحيدها من الموت ” ومن ثمّ ” دفعه إلى أمه “.
لا يوجد أصعب من حزن الموت، لأن كلّ موت فيه فقدان وخسارة بغض النظر عن الظروف والمكان والزمان. لا يستطيع الإنسان المسيحي أن يقف موقف اللامبالي أمام حزن وألم أخيه الإنسان بل ينبغي عليه أن يُسرِع ويُقدّم التعزية البشرية بالقول وبالفعل، أي بالمساعدة حسبما تتطلب الحالة والظروف، ولكن تبقى كل تعزية بشرية ناقصة وعاجزة عن تعزية القلب وبلسمة الجرح ومنح التعزية الحقيقة والسلام الداخلي إن لم يكن مصدر هذه التعزية إلهياً، والتي يحصل عليها الإنسان المحزون والمتألم من خلال الصلاة، الصبر، الرجاء ومطالعة الكلمة الإلهية، كلمة الله المُحيية.
لقد كان وَقعُ هذه المعجزة على الناس عظيماً، ” فأخذ الجميع خوفٌ ومجّدوا الله قائلين لقد قام فينا نبيٌّ عظيمٌ “. لقد ذكّرتهم هذه المعجزة بنبييّن عظيمين من العهد القديم: إيليا وأليشع وكلاهما أقاما إبناً وحيداً لإمرأة أرملة. الأول ابن أرملة من صرفة صيدون ( ملوك 17: 8- 24) والثاني، النبي أليشع أقام ابن المرأة الشونمية (2 ملوك4: 8- 37) ولكن الفرق بين الربّ يسوع والأنبياء أن كل من إيليا وأليشع قد تضرّعا وصليّا ألى الربّ و”سمِع الربّ لهما” أما الربّ يسوع فهو”القيامة والحياة”( يوحنا 11: 25) هو يَأمُرْ فيُطاعْ. لقد أعاد الحياة إلى الشاب الميّت بقوَّة سُلطانه. ” لأنه أخضع كل شيء تحت قدميه “. لقد رأت الجموع المُحيطة بهذا العمل ” افتقاداً من الله لشعبه “.
لقد هزم السيّد المسيح الموت بموته المُحيي على الصليب، لقد وطيء الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور، لقد وعد الربّ يسوع المؤمنون به أنه في الحياة الأبدية ” سيَمسحُ الله كل دمعةٍ من عيونهم والموت لا يكون في ما بعد ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع لأن الأمور الأولى قد مضت “.
آميـــــــــــــــــن
المتروبوليت باسيليوس قدسيّة