Available in English
May 18th, 2021 | By His Eminence, Metropolitan Basilios
[avatar user=”metropolitan” size=”50″ align=”right” link=”https://www.antiochian.org.au/author/metropolitan/” target=”_blank”][/avatar]
المعروف ” بأحد المخلّع “
يوحنا (5:1-15)
هذا المخلّع هو مخلّع بركة بيت حسدا وهو مختلف كلياً عن مخلّع كفرناحوم المذكور في (مرقس 2: 1 ) والذي يُقرأ في الأحد الثاني من الصوم الكبير أو أحد القديس غريغوريوس بالاماس.
يذكر الأنجيلي يوحنا أن الربّ يسوع أتى إلى كفرناحوم حيث شَفَى هناك خادم الملك (4: 46) ثم صعد إلى أورشليم إذ كان عيدٌ لليهود. لا يذكر الإنجيلي ما هو هذا العيد! بحسب القديس إيرينوس كان عيد الفصح اليهودي أما بحسب كل من يوحنا الذهبي الفم والقديس كيرللس كان عيد العنصرة. على الأغلب كان الفصح اليهودي. هذه هي المرة الثانية التي يصعد فيها يسوع إلى أورشليم من أجل العيد. المرة الأولى مذكورة عند يوحنا الإنجيلي في (يوحنا 2: 13) أما الثالثة فنجدها في (يوحنا 6: 4) والرابعة والأخيرة (يوحنا 13: 1).
لقد أتى يسوع بسابق علمه ومعرفته إلى ” باب الغنم” حيث هناك بركة مشهورة سُميت ” بيت حسدا ” لها خمسة أروقة ، سُميت باب الغنم لأن اليهود اعتادوا بتجميع الخراف المُعدة للتضحية هناك وبعد ذبحها تُغسل أحشائها بالماء. وكان الإعتقاد السائد هو أنه بمجرد غسل أحشاء الضحية بالماء ينال هذا الماء قدرة إلهية ولهذا السبب كان الملاك يأتي في أوقات معينة ليجري المعجزة. أما عند كيرللس الأسكندري فالعيد هو العنصرة حيث ملاك كان يأتي من السماء ليُحرك ماء البركة. كانت نعمة الروح القدس تقدِّس الماء وتجري المعجزة.
” لقد رأت الكنيسة المقدسة في هذا المعتقد وهذه الممارسة اليهودية صورة عن المعمودية، حيث الماء المقدس بنعمة الروح القدس سوف ينال قوة مغفرة الخطايا، شفاء الأمراض، إذ ليس طبيعة الماء هي التي تشفي من تلقاء ذاتها ولكن نعمة الروح القدس التي تحلّ على هذا الماء بصلوات الكهنة”.
في أروقة هذه البركة ” كان مُضطجعاً فيها جمهور كثير من المرضى من عميان وعرج ويابسي الأعضاء ينتظرون تحريك الماء، لأن ملاكاً كان ينزل أحياناً في البركة ويحرك الماء والذي كان ينزل أولاً من بعد تحريك الماء كان يبرأ من أي مرض اعتراه”. من بين جميع هؤلاء المرضى هناك مريض واحد أتى يسوع يطلبه، ” انسان به مرض منذ ثمانٍ وثلاثين سنة” على الأغلب كان مخلّعاً إذ كان مُلقى على فراشه ولا يستطيع التحرّك. ثمانٍ وثلاثين سنة من الألم والمعاناه ولكن بصبر وإيمان كان هذا المريض ينتظر على طرف البركة لينال الشفاء من دون يأس أو تذمّر أو استسلام. دنا منه يسوع وسأله: ” أتريد أن تبرأ”. يبدو السؤال غريباً بعض الشيء: ما الذي يمكن أن يطلبه مريض لثمانٍ وثلاثين سنة سوى الشفاء؟!. لقد سأل يسوع هذا السؤال ليس لأنه كان جاهلاً الإجابة ولكن ليبّين لنا ثبات الرجل وصبره.
إن مثابرة وصبر هذا المخلّع أمر مذهل. لمدة ثمانية وثلاثين عاماً بقي منتظراً هناك على طرف البركة. كل عام يأتي على أمل الشفاء ولكن دائماً كان يمنعه من هم أقوى منه ومع ذلك لم يستسلم ولم ييأس. لهذا السبب سأله الربّ هذا السؤال: هل تريد أن تبرأ؟ ليبين لنا ثبات هذا الرجل، ويلفت انتباهنا إلى صبره وليس بالطبع لأنه كان جاهلاً الجواب.
” ليس لي إنسان” صرخة هذا المخلّع، صرخة كل إنسان يرى نفسه مهجوراً من كل مساعدة بشرية. يقول كاتب المزامير: ” أصدقائي وأقربائي دنوا مني ووقفوا بعيداً” (مزمور 37: 11). وفي مكان آخر يكتب: ” أبي وأمي تركاني أما الربّ فيضمّني”(مزمور 27: 10). لأنه ليس لك إنسان فإن الله قد تجسّد وصار إنساناً من أجلك وأتى من علّوه حتى يشفيك ويخلصك. ليس لديك إنسان ولكن الربّ يسوع الإله المتجسّد قد أتى من كفرناحوم، مسيرة سفر ثلاثة أيام إلى أورشليم ليس فقط من أجل العيد ولكن من أجل أن يشفيك أنت لأنه ليس لديك إنسان يساعدك. أنت تنتظر أن يأتي الملاك ليُحرك البركة حتى تَشفَى ولكن الرب يسوع هو “ملاك الرأي العظيم ” هو يشفيك مباشرة من دون النزول في مياه البركة.
لقد أجاب هذا المريض ضمنياً وبطريقة وديعة وبلطافة، ” نعم يا ربّ أريد أن أبرأ “.
لم يجدّف ولم يوبخ المسيح على هذا السؤال الغريب. لم يلعن اليوم الذي وُلد فيه ولم يجدّف على الرب الإله الذي فعل به هذا كما نفعل نحن في بعض المرات عندما نمر في شدّة وضيق ومرض رغم أنه لم يعرف مع من يتكلم ومن أن هذا السائل هو الربّ نفسه الذي يستطيع أن يشفيه بكلمة. ربما اعتقده مجرد إنسان عادي.
لم يسأله الربّ هل تؤمن؟ لقد شاهد إيمانه من خلال صبره الطويل لثمانٍ وثلاثين سنة، انتظر بصبر ومن دون تذمر، لم يحتاج الربّ يسوع إلى برهان أعظم من هذا على إيمانه.
لم يكن بحاجة أن ينزل في الماء بل قال الربّ يسوع كلمة واحدة ” قم احمل سريرك وامشي” كانت كافية أن تعطي لمخلّع الشفاء الكامل ” فللوقت” أي حالاً بريء الرجل وحمل سريره ومشى” يبدو من شدّة فرحه نسي أن يسأل الربّ يسوع من هو؟
هذا الشفاء أثار حفيظة اليهود لأنه قد جرى يوم سبت. لم تستوقفهم هذه المعجزة الغريبة ولم تُحرك قلوبهم بل رؤية المخلّع معافاً ويحمل سريره ويمشي. وعندما سألوه، لم يسألوه من شفاك، من جعلك قادراً على المشي وأنت مخلّع؟ بل سألوه بتكبّر وإدانة: ” من هو الإنسان الذي قال لك احمل سريرك وامشي؟ أما المخلّع الذي شُفي فلم يكن يعلم من هو، لأن يسوع قد غادر المكان واعتزل وربما المخلّع من شدة فرحه وتعجبه نسي أن يسأل يسوع من هو؟ ولكن يسوع عاد ووجده في الهيكل. لقد أراد هذا المخلّع أن يُظهر شكره وامتنانه للربّ فذهب إلى الهيكل ليشكر الله ويُصلي، هذا يؤكد الموقف الإيماني للمخلّع، لقد عاد ليشكر الله على شفائه بعد معاناة طويلة مع المرض لمدة ثمانٍ وثلاثين سنة. لقد أجاب يسوع: ” ها قد عوفيت فلا تعد تُخطي، لئلا يصيبك أشر”. جواب يسوع هذا ربما يُظهر أن سبب مرض هذا المخلّع هو خطايا ما اقترفها في حياته ولكن بشكل عام هذا يظُهر أن المرض و الموت هما من نتائج السقوط، إذ دخل الشر إلى العالم من بعد سقوط آدم وحواء.
بعد هذا اللقاء مع الربّ يسوع في الهيكل ومعرفته بشخص المسيح المخلِّص، خرج هذا المخلّع وذهب وأخبر اليهود ” أن يسوع هو الذي أبرأه” لم يَخَف ولم يخفي المعجزة، بل خرج مُبشراً وكارزاً بأن يسوع هو الشافي. هذا موقف شكر وامتنان وعرفان بالجميل نحو الربّ يسوع، لم يذهب المخلّع إلى الأسواق والحانات بل ذهب مباشرة إلى الهيكل ليُصلي ويشكر الربّ ويعترف بخطاياه وهكذا نال الشفاء المُضاعف، شفاء النفس والجسد.
يا ربّ أنا إنسان مشلول روحياً بسبب خطاياي مثل هذا المخلّع. أنتظرُ بصبرٍ وإيمان أن أنال شفاء النفس والجسد ولكن ” ليس لدي إنسان يُساعدني”، فلجأتُ إليك يا ينبوع الأشفية لكي وأنا مع الكل أصرخ إليك أيها الربّ القادر على كل شيء المجد لك.
آميــــــــــن
+ المتروبوليت باسيليوس قدسية