Available in English
February 5th, 2021 | By His Eminence, Metropolitan Basilios
[avatar user=”metropolitan” size=”50″ align=”right” link=”https://www.antiochian.org.au/author/metropolitan/” target=”_blank”][/avatar]
الأحد السادس عشر من متى
متى 25: 14- 30
يأتي مثل الوزنات ضمن تعليم الربّ يسوع عن ملكوت السموات وأهمية ” السهر والإستعداد لمجيء الربّ”.
” اسهروا إذ لأنكم لا تعملون في أية ساعة يأتي ربّكم” (متى 24: 42).
” لذلك كونوا أنتم أيضاً مستعدين لأنه في ساعة لا تظنّون يأتي ابن الإنسان” ( 24: 24).
لقد تكلم الربّ يسوع في الإصحاح 24 عن “علامات المجيء وانقضاء الدهر” (24: 3)
وقد أكد لهم الربّ قائلاً: “وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بها أحد ولا ملائكة السموات إلا أبي وحده”(متى 24: 26).
ثم يضرب لهم الربّ يسوع عدد من الأمثال عن أهمية ” السهر والإستعداد” فيأت مثل العبد الأمين الذي أقامه سيده على خَدَمه ليُعطيهم الطعام في حينه فتكون له الطوبى “إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا” (متى 24: 45- 51) أو يقطعه ويجعل نصيبه مع المرائين إذ تكاسل في عمله.
ثم يأتي المثل الشهير مثل العذارى العاقلات (الحكيمات) والجاهلات (متى 25: 1- 12) والذي يسبق مثل الوزنات الذي هو حديثنا اليوم. في مثل العذارى العشر تعليم عن أهمية الإستعداد والسهر أيضاً: ” جاء العريس والمستعدات دخلن معه الى العرس وأُقفل الباب” (25: 10). ويُنهي المثل بتكرار للآية من (متى 24: 42) ” فاسهروا إذاً لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان (25: 13).
يبدأ مثل الوزنات:
” يشبه ملكوت السموات إنسانٌ مسافر دعا عبيده وسلمهم أمواله”. الإنسان المسافر هو الربّ يسوع المسيح الذي يعطي كل الصالحات و الذي أصبح إنساناً من أجلنا، و الذي سلّم إلى تلاميذه القديسين أمانته ( أي كنيسته ) التي افتداها بدمه الطاهر
(1 ع 20: 28). هو الذي يُسافر إلى بلد بعيد في إشارة إلى صعوده إلى السموات أو إلى طول أناته قبل مجيئه الثاني ليَدين الجميع ويُحاسبهم على أفعالهم.
يتفق الآباء القديسون على أن هذه الوزنات هي ” المواهب الروحية ” “Spiritual Gift” والتي يعدّدها بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس (1 كور 12: 4- 7: 11).
لقد سلـَّم أي ائتمن أمواله إلى خدّامه، واعطى بعضهم كثير والآخر أقل كل واحد حسب طاقته. الله يُعطي كل واحدعلى قدر طاقته، بقدر ما يستطيع كل واحد أن يحمل وأن يستخدم. ( رومية 12: 4- 7). إن ربح الوزنات يعني هنا زيادة المواهب المُعطاة من الله من خلال استخدامها وزيادتها، ولا سيما من خلال الأعمال الصالحة ومساعدة قريبنا من أجل زيادة ومضاعفة نعمة الله في نفوس الآخرين. هذا المثل يُعلمنا أنه ينبغي على كل واحد منا أن يتعاون مع نعمة الله بكل قوته.
لم يكن هناك توزيع عادل للمواهب على العبيد كون السيّد يعرِف مقدرة و قوة وموهبة كل شخص. ولكن التوزيع العادل للخيرات هو في الأمور الأساسية في حياتنا كما يقول القديس بطرس الدمشقي: ” فهو يُمطر على الأخيار والأشرار والصالحين والخيرين”.
صحيح أن السيّد لم يوزع هذه الوزنات بالتساوي ولم يُعطي الجميع نفس عدد الوزنات، بل حسب حكمته ومعرفته ولكنه أيضاً لم يَحْرُم أحداً من الوزنات حتى لو كانت وزنة وحيدة.
لقد وُزِّعَت هذه المواهب بالتفاوت. على أنه لم يُترك أحد بدون وزنة. وهذا التوزيع المتفاوت للمواهب يصير بالنسبة لقوة كل واحد وبمقتضاه يمنح الله كل إنسان وزنات حسب طاقته وقدرته واستعداده ومسؤولية الإنسان هي مضاعفتها وتكثيرها.
يرى الآباء القديسون بأن أعداد هذه الوزنات رمزية، الخمس وزنات تشير إلى الحواس الخمس والوزنتين هي النفس والجسد المُركـَّب منهما الإنسان. أما الوزنة الواحدة فهي تُشير إلى الإنسان كشخص واحد مؤلف من هذين الخاصيتين نفس وجسد.
“وبعد زمان طويل جاء سيد أولئك العبيد وحاسبهم”. الزمان الطويل يفصل بين صعود الربّ يسوع إلى السماوات ومجيئه الثاني الرهيب ليَدين الأحياء والأموات. عند المحاسبة يبدأ صاحب الخمس وزنات وصاحب الوزنتين ويردّان الوزنات مضاعفة إلى السيّد فيكون جواب السيّد لكليهما: ” نِعماًّ (أي طوبى) أيها العبد الصالح والأمين، كنت أميناً في القليل فأنا أقيمك على الكثير، ادخل إلى فرح ربِّك”. لقد كان عبداً صالحاً لأنه شارك هذه الوزنة مع الآخرين وفي خدمتهم أيضاً وأميناً لأنه ربح ضعف الوزنة المُعطاة له وأعادها إلى سيّده. لقد كان أميناً على القليل أي الوزنة ( الموهبة الصالحة) التي هي بالحقيقة قليلة ووضيعة بالنسبة إلى المجد السماوي والفرح الأبدي في غبطة القديسين والمجد السماوي.
إن كلا من الذي أخذ الخمس وزنات والوزنتين قد ذهب وضاعف عدد الوزنات (المواهب المُعطاة له) أما صاحب الوزنة الواحدة فقد” ذهب وطمرها في الأرض” أي طمرها في الإهتمامات الأرضية ولم يستثمرها كما يجب في خدمة الآخرين.
العبد الثالث صاحب الوزنة الواحدة فقد طمرها ولم يستثمرها مع الآخرين. يصفه السيّد ” بالعبد الشرير والكسلان” على عكس “العبد الصالح والأمين” صاحب الخمس وزنات والوزنتين. لقد كان ناكراً للجميل وغير أمين، لقد وضع حجَّة هي خوفه من السيّد الذي ” يحصد من حيث لم يزرع ويجمع من حيث لم يبذر”. فأجابه السيّد: “أيها العبد الشرير والكسلان من فمك أُدينكَ، كان ينبغي أن تسلـِّم فضتي إلى الصيارفة حتى إذا قدمت آخذ مالي مع رُبى”. كان يجدر بهذا العبد أن يطلب المساعدة من ” الصيارفة ” من أجل استثمار هذه الوزنة بما يعود بالفائدة على كل من السيّد والعبد ولكنه آثر ” طمرها في الأرض”.
لقد حُرم هذا العبد صاحب الوزنة الواحدة من النعمة الإلهية في هذه الحياة أما في الحياة الأخرى فسوف يُحرم المكافأة الأبدية. ” ألقوه في الظلمة البرانية هناك يكون البكاء وصريف الأسنان”.
نأخذ على سبيل المثال يهوذا الأسخريوطي الذي كان أحد التلاميذ الإثني عشر وصار له نصيب في هذه الخدمة (أعمال 1: 17) من بعد خياتنه حُرم هذه الخدمة الرسولية وسيُحرم أيضاً من المجد الأبدي في المجيء الثاني أيضاً وأُعطيت خدمته (وزنته) إلى تلميذ آخر هو متيَّاس الذي وقعت عليه القرعة ليأخذ هذ الخدمة والرسالة التي تعدّاها يهوذا بخياتنه وقلّة أمانته. ( أعمال 1: 15- 26).
ينتهي المثل بالإضافة: ” ولما قال هذا نادى: من له أُذنان للسمع فليسمع”.
بالطبع لا يقصد الربّ بذلك الأذنين الجسديتين ولا السمع المادي بل السمع بمعنى الإصغاء ووضع هذا التعليم موضع التنفيذ، المقصود هنا هو بالسَمَع الروحي والآذان الروحية. فليسمع أي فليتمعَّن في أقوال المسيح الإلهية ويعيش بحسبها. آميــــن.
المتروبوليت باسيليوس قدسية