الأحد الأول من لوقا والسادس عشر بعد العنصرة

September 25th, 2020 | By His Eminence, Metropolitan Basilios |Available in English [avatar user=”metropolitan” size=”50″ align=”right” link=”https://www.antiochian.org.au/author/metropolitan/” target=”_blank”][/avatar]

المقطع الإنجيلي اليوم يتكلم عن حادثة الصيد العجيب ودعوة التلاميذ الأوائل” و القراءة الإنجيلية من (لوقا 5: 1- 11).

يبدأ المقطع الإنجيلي حيث ” الجمع كان يزدحم على يسوع ليسمع كلمة الله”. لقد كان الشعب متعطشاً ليسمع تعليم الربّ يسوع عن “ملكوت السموات”.

لقد كَرزَ يسوع وبشّر على شاطئ بحر الجليل حيث كان الصيادون يعملون ليعتاشوا. لم يذهب الى مدارس الفلسفة والمدن الكبيرة بل اختار التلاميذ من بين الصيادين البسطاء. لقد جعل من شاطئ بحيرة جنيسارت مركز عمله وبشارته. “لقد رأى سفينتين واقفتين على شاطئ البحيرة” وقد انحدر منها الصيادون يغسلون الشباك”. لقد كان الصيادون قد انتهوا من عملهم وهم يُصلحون الشباك ويغسلونها لتكون جاهزة لليوم التالي. يرى البعض أن ” السفينتين” ترمزان إلى كل من الشعب العبري والأمم (الوثنيين غير المؤمنين).

لقد احتشد الجمع مع يسوع على شاطئ البحيرة ففضّل الإبتعاد قليلاً حتى يتسنى له مخاطبتهم ورؤيتهم. لقد دخل يسوع سفينة سمعان الذي سُمي لاحقاً (بطرس) وجلس على مقدمة السفينة يُعلم الجموع. لقد استعمل الربّ يسوع سفينة سمعان بطرس “كمنبر للوعظ”. منذ بدء المسيحية استعملت السفينة كإحدى رموز الكنيسة، فالكنيسة هي “سفينة الخلاص”.

لما انتهى يسوع من التعليم ” طلب من سمعان بطرس قائلاً:” تقدّم إلى العمق وألقوا شباككم للصيد”، يشير العمق هنا إلى أعماق روح الإنسان.لا بدّ للإنسان أن يلج إلى العمق حتى يحصل على الصيد الثمين. تجتمع على الشاطئ أعشاب البحر وما يرميه الأمواج من بقايا أما الكنوزالثمينة فهي في عرض المحيط ويبقى على الإنسان أن يلج في أعماق ذاته وأن يعرف ذاته وضعفه وضحالته حتى يكتشف عظمة الله وقدرته وقداسته.

لقد أجاب بطرس: “يا معلم إنا قد تعبنا الليل كله ولم نصيب شيئاً” بكلمات أخرى أراد بطرس أن يقول ليسوع: يا معلم أنت خبير في النجارة أما نحن فخبراء في الصيد ونعرف الزمان والمكان المؤاتي والظرف المناسب لصيد السمك وهو الليل وقد تعبنا طوال الليل الفائت من دون نتيجة. إذا كان صيد الليل (الوقت المناسب للصيد) فاشلاً فماذا سيكون نصيب صيد النهار؟ جواب بطرس ليسوع يُظهر أمله الضئيل جداً في الحصول على صيد ما. ورغم هذا كان الرسول بطرس مستعداً للطاعة والإيمان: ” لكن بكلمتك ألقي الشبكة”. يقول أشعيا النبي عن فعالية وقوة كلمة وأمر الربّ: ” هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي. لا ترجع إليَّ فارغة. بل تعمل ما سُررت به وتنجح في ما أرسلتها إليه” (أشعياء 55: 11). وهذا ما حدث فعلاً: أمر الرّب فأطاع السمك وأتى وملأ شباك الصيادين. هذه هي ثمار الطاعة والثقة (الإيمان) بالربّ.

فلما فعلوا ذلك، “احتازوا من السمك شيئاً كثيراً حتى تمزّقت شبكتهم”. حيث بَركةُ الربّ هناك الكثرة والوفرة. لقد تخزقت الشباك فأشاروا إلى شركائهم أن يأتوا ويعاونوهم فأتوا وملأوا السفينتين ” حتى كادتا تغرقان”.

لقد أدرك سمعان بطرس محبة الربّ لشعبه فهو لا يكتفي فقط بإشباع حاجاتهم الروحية عبر ” الكلمة ” ولكن أيضاً يهتم بحاجاتهم المعيشية. يتردد صدى هذه الخبرة في رسالة بطرس الرسول عندما يقول: ” فتواضعوا تحت يد الله القوية، ملقين كل همَّكم عليه لأنه هو يعتني بكم” ( 1 بطرس 5: 7).

لقد كان بطرس حاضراً عندما شفى الربّ يسوع حماته قبل حدوث هذه المعجزة ( لوقا 4: 38- 39). ولكن يبدو أن هذه المعجزة قد هزّت أعماق كيانه في الصميم كونه يعرف أمور الصيد والبحر فرأى ضحالة وضعف خبرته ومنطقه البشري أمام عظمة الربّ وقدرته وسلطانه فخرَّ عند ركبتي يسوع قائلاً “اخرج عني يا رب فإني رجل خاطئ”. لم يعُد يسوع بالنسبة إلى بطرس “معلم” بل أصبح ” الربّ” هذا التبدّل كان سببه أولاً معاينة المعجزة وإدراك ضعفه أمام عظمة الربّ يسوع. لقد ” اعتراه الذهول ” أمام هذه المعجزة فعبّر عن إيمانه وضعفه بالسجود أمام الربّ له المجد.

لقد غيّرت هذه المعجزة مسار حياة سمعان ورفيقيه يعقوب ويوحنا ابنا زبدى ” لا تخف من الآن تكون صائداً للناس ” سوف يستبدل سمعان الشبكة بالإنجيل والسفينة بالكنيسة حتى يصطاد الناس إلى ملكوت السموات.

في إنجيل اليوم درس عن الإيمان والثقة بالله ” الذي يريد الجميع أن يخلصوا إلى معرفة الحق أن يقبلوا” ( 1 تيموتاوس 2: 4). موضوع الطاعة والإيمان ليس فقط في الأمور التي نراها منطقية وممكنة ولكنه بالأحرى في الأمور التي تبدو غير منطقية بشرياً ومستحيلة. هنا يأتي دور الإيمان والطاعة بشخص الربّ يسوع.

نحن نقول بالعامية : “العبد في التفكير والربّ في التدبير” أو بحسب سفر الأمثال ” في قلب الإنسان أفكارٌ كثيرة لكن مشورة الربّ هي تَثْبت” (أمثال 19: 21). المهم أن في كل ما نخطط له أن نطلب مشورة الربّ وبركته. يا ربّ قد تعبنا الليل كله ولم نحصل على شيء ولكن على كلمتك أي إيماناً وثقة بك سوف نمضي في مهمتنا ونتابع عملَنا طالبين بركتك ورحمتك.

آميــــــــــن

+ المتروبوليت باسيليوس قدسية