الأحد الخامس من الصوم

April 3rd, 2020 | Available in English | By His Eminence, Metropolitan Basilios

الأحد الخامس من الصوم

تذكار القديسة مريم المصرية

إنجيل مرقس (10: 32- 45)

في الأحد الخامس من الصوم نُقيم تذكار القديسة مريم المصرية والقراءة الإنجيلية من إنجيل مرقس (10: 32- 45).

هذا الأسبوع هو الأحد ما قبل أحد الشعانين أو الدخول إلى أورشليم وبدء الآلآم الخلاصية التي تنتهي بالصليب ومن ثم تكتمل بالقيامة المجيدة.

لقد بدأ الربّ بتهيئة تلاميذه بالقول لهم عما سيحدث له. الربّ يسوع، له المجد، يعلم كل العِلم ويرى مُسبقاً أن نفوس تلاميذه سوف تضطرب بسبب آلآمه، لذلك سبق وأخبرهم عن آلآمه ولكن عن قيامته المجيدة أيضاً. “ابن البشر يُسلم إلى رؤوساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم فيهزأون به ويبصقون عليه ويجلدونه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم”. لقد كشف سرّ آلآمه الخلاصية إلى أولئك الذين كانوا قريبين منه وعلى صلة وثيقة به، أي تلاميذه الإثني عشر.

عند الإقتراب من أورشليم، يدنو إليه يعقوب ويوحنا ابنا زبدى يسألانه طالبين: ” أعطنا أن يجلس أحدنا عن يمينك والآخر عن يسارك في مجدك”. لقد اعتقد هذان التلميذان أنه كان ماضٍ إلى مملكة أرضية وأنه سيحكم من أورشليم، لذلك سألوا هذا الإمتياز بالجلوس في المقاعد الأولى. لقد طلبوا هذا لأنهم افترضوا أنه كل شيء قد انتهى وأن العمل بأكمله قد تمَّ. (يوحنا الذهبي الفم).

لقد أساء التلاميذ فهم رسالة الربّ يسوع وظنوا أنه يسعى إلى مملكة أرضية، وأنه سوف يكون للتلاميذ مناصب فيها لذلك غضب بقية التلاميذ العشرةعلى يعقوب ويوحنا لإنفرادهم بهذا الطلب ولهذا الإمتياز من الربّ يسوع دون سواهم.

لقد كان جواب الربّ يسوع على طلب يعقوب ويوحنا بسؤالهم: ” أتستطيعان أن تشربا الكأس التي أشربها أنا وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا؟”، أنتما تطلبان وتتوقان إلى الشرف والمجد بينما أنا أدعوكما إلى الموت!

” هنا المسيح يدعو صلبه بالكأس وموته بالمعمودية. لقد دعى صلبه بالكأس لأنه كان ماضياً إليها طوعياً وبفرح. ودعى موته بالمعمودية لأنه بواسطتها سوف يُطهِّر العالم بأسره”. (القديس يوحنا الذهبي الفم).

لقد تنبأ التلميذان بمصيرهما قائلين له ” نعم نستطيع”. وهذا ما حدث بالفعل إذ اقتبل كلاهما الكأس والمعمودية، أي الشهادة. فالقديس يعقوب استشهد بقطع الرأس في أورشليم حوالي 45 ميلادي والقديس يوحنا عاش الإضطهاد في روما ونُفي إلى جزيرة بطمس.

نقرأ من استشهاد القديس بوليكربوس تلميذ القديس أغناطيوس الأنطاكي أنه يوم استشهاده وأثناء تعذيباته رفع عينيه إلى السماء وقال: ” أيها الرب الكليّ القدرة، أباركك لأنك أهّلتني في هذا اليوم وفي هذه الساعة لأكون من عداد شهدائك ومن مساهمي ( مشاركي) كأس مسيحك لقيامة الروح والجسد في الحياة الأبدية بدون فساد”.

لقد أوضح الربّ لتلاميذه أن حبَّ الرئاسة والسلطة هما من صفات أسياد هذا العالم. أما لتلاميذه فقد علمهم قائلاً:” الكبير فليكن خادماً والأول فليكن عبداً للجميع. وذلك لأن ابن البشر بذاته ” لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدُم وليبذل نفسه فداءً عن كثيرين”. هذه سلطة الخدمة ورئاسة المحبة والتضحية التي قدَّمها الربّ يسوع مثالاً لتلاميذه.

اليوم نُقيم تذكار القديسة مريم المصرية وهي كانت فتاة من الإسكندرية عاشت في القرن الرابع ميلادي وكانت تعيش حياة الخطيئة، حاولت مرة الدخول إلى كنيسة القيامة في أورشليم فشعرت بقوة غير منظورة كانت تمنعها من الدخول بسبب عدم استحقاقها. هناك كانت نقطة التحوّل ورحلة العودة بالتوبة إلى الله. تركت المدينة وجازت نهر الأردن ودخلت إلى البرية وعاشت وحدها مع الله الذي أصبح معشوقها وقضت حوالي 47 سنة في البرية في حياة نسك وجهاد، لقد قَبِلت القديسة مريم المصرية أن ” تشرب الكأس التي شربها السيّد وأن تصطبغ بالصبغة التي اصطبغ بها”. لقد قبلت أتعاب النسك طوعاً واختيارياً، لقد حَمِلتْ صليب النسك الذي يُسمّى في كنيستنا “بالشهادة البيضاء”. نقرأ من سحر الأحد: ” لقد ألجمتِ كل نهضات الجسد بالأتعاب النسكية، وأوضحتِ معقول نفسك شهماً لأنك مذ صبوتِ إلى مشاهدة صليب الربّ صَلبتِ ذاتك للعالم يا دائمة الذكر لذلك أنهضتِ نفسك نحو مغايرة السيرة الملائكية”.

لقد أدركت القديسة مريم المصرية، على خلاف يعقوب ويوحنا أن ” ليس ملكوت السموات طعاماً وشراباً بل برّاً ونسكاً مع قداسة “. أن ملكوت السموات والجلوس عن اليمين واليسار يُقتنى من خلال عيش الفضيلة بالنسك والقداسة وليس امتيازاً يُعطى بمجرّد الطلب والسؤال.

في هذا الأحد الخامس من الصوم ونحن على عتبة الآلآم الخلاصية ما زال الوقت كافياً للعودة إلى الله بالتوبة الصادقة، على غرار توبة القديسة مريم المصرية، هذه التوبة التي تُترجم فعلياً من خلال أتعاب الصوم والصلاة والنسك حتى نؤهَل أن نُشارك الربّ في مجده وقيامته.

آميـــــــــن

المتروبوليت باسيليوس قديسية