الأحد الأول من الصوم
March 6th, 2020 | Available in English | By His Eminence, Metropolitan Basilios [avatar user=”metropolitan” size=”50″ align=”right” link=”https://www.antiochian.org.au/author/metropolitan/” target=”_blank”][/avatar]
الأحد الأول من الصوم
هذا الأحد هو الأحد الأول من الصوم ويسمي “بأحد الأرثوذكسية” وفيه تُقيم الكنيسة الأرثوذكسية تذكار رفع الأيقونات المقدسّة وتكريمها بعد فترة طويلة من الإضطهاد عُرفت ” بحرب الأيقونات ” و التي استمرت حوالي 120 عاماً وتخللها انعقاد المجمع السكوني السابع عام 787 م خلال حكم الإمبرطورة إيريني انتهت هذه المرحلة عندما قامت الإمبرطورة تيودورة بوقف الإضطهاد والقيام بزياح كبير بالأيقونات المقدسّة وقراءة ” السينوذيكون” وهو بمثابة مستند رسمي يُحرِّم فيه جميع الهراطقة الذين حرّفوا تعليم الكنيسة الأرثوذكسية ويُلقي عليهم الحِرْم ويُطوِّب أولئك الذين دافعوا عن الإيمان المستقيم. نقرأ من صلاة سحر العيد: “لقد ظهر اليوم نهار سرور مستوعب حبوراً. الآن يسطع لامعاً بهاء الإعتقادات الحقيقية لأن كنيسة المسيح تتلألأ الآن مُزيَّنة برفع أيقونات القدّيسين وصورههم المُضيئَة وحصل اتحاد المؤمنين الصائر بالموازرة الإلهية”.
القراءة الإنجيلية في الأحد الأول هي من إنجيل (يوحنا 1: 43- 51) وتتضمن دعوة يسوع إلى فليبس أن يتبعه ويليها دعوة فليبس لصديقه ثنائيل قائلاً له ” قد وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة”. وعندها استغرب ثنائيل ” أنه من الناصرة يكون شيء صالح” دعاه فليبس قائلاً ” تعال وانظر” ومن ثم لقاء الربّ يسوع مع ثنائيل الذي أكد له قائلاً: ” من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان”.
لا توجد علاقة مباشرة بين تذكار الأحد والقراءة الإنجيلية وإن كان من الممكن إيجاد بعض الرابط. تُشدّد قراءة غروب وصلاة سحر أحد الأرثوذكسية على أهمية سرّ التجسّد وهذا أساسي وجوهري في عقيدة الكنيسة الأرثوذكسية ولاهوت الأيقونة.
لقد كان تحريم التصوير في العهد القديم: ” لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة، ما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض، لا تسجدوا لهن ولا تعبدهن”.(في سفر الخروج 4: 21). تعود نفس الوصية في سفر التثنية (5: 7- 9). لقد كان هذا التحريم سببه ردع الشعب العبراني من الوقوع في خطيئة عبادة الأوثان. هذا كان قبل التجسّد حيث “أن الله لم يره أحد قط”(يوحنا 1: 18) وأيضاً حيث كان ” لا أحد يرى وجه الله ويعيش” (خروج 33: 20).
ولكن في العهد الجديد ومع تجسّد كلمة الله حيث أن ” الكلمة صار جسداً وحلّ بيننا ورأينا مجدُه مجداً كما لوحيد من الآب مملوءً نعمةً وحقاً” (يوحنا 1: 14). أصبح الله الذي لم يَرَه أحد فقطٌ مُشاهداً بالجسد من خلال الإبن الوحيد.
إذاً من بعد التجسّد أصبح بالإمكان رسم أيقونة للربّ يسوع، كلمة الله المتجسِّد، هذا ما تؤكده الكنيسة الأرثوذكسية عبر مجامعها المقدسّة وبخاصة المجمع المسكوني السابع وعبّر الآباء القدّيسين كالقديس يوحنا الدمشقي والقديس ثيودوروس الستوديتي. يقول يوحنا الدمشقي: ” في الأزمنة السابقة، لم يكن من الممكن تصوير الله والذي هو بدون شكل أو هيئة ولكن الآن عندما أصبح الله منظوراً بالجسد ومتحدثاً مع البشر، فنحن نصنع صورة لللإله الذي نراه، “نحن لا نعبد المادة ولكن نعبد الإله خالق المادة والذي اتخد جسداً من أجلي.” نقرأ في صلاة غروب العيد: ” هلم نقدّم لله تسبيحاً شكريَّا ونسجد سجوداً إكرامياً لأيقونة المسيح وأيقونة الفائق طهرها وصوَر جميع القدّيسين المرسومة على الجدران والألواح والأواني المقدسّة داحضين نفاق اعتقاد ذوي الرأي السيّء لأن إكرام الصورة يقول باسيليوس الكبير يجوز إلى عنصرها الأول متوسّلين إليك أيها المسيح الإله بطلبات والدتك النقيّة وجميع قدّيسيك أن تمنحنا الرحمة العظمى”.
في تعليم الكنيسة هناك تمييز عقائدي واضح بين التكريم والتبجيل الواجب للأيقونات المقدّسة وبين العبادة والسجود الواجب لله. إن التكريم هو في الحقيقة يعود إلى الشخص الممثّل على الأيقونة . هذا التميّز يحمي تكريم الأيقونات من تهمة الوقوع في عبادة الأصنام. “إننا نعبد المسيح ونُكرِّم القديسين وعلى رأسهم والدة الإله وبالتالي نحن لا نُكرِّم المادة (الخشب والحجارة) بل الكائن المرسوم فيها، أي ما تُمثله” هذا ما أوضحه القديس باسيليوس الكبير قائلاً: إن التكريم الممنوح للأيقونة هو يجوز بحقّ إلى عنصرها الأول أي إلى ما تُمثله الأيقونة” ( ثيودوروس الستوديتي).
تبقى الأيقونة كواسطة أو أداة للعبادة تربطنا مع الله. تضعنا الأيقونة في حضرة الربّ. نضعها في بيوتنا أو مكان عملنا لتباركها ولأننا بهذه الطريقة نجعل من الربّ يسوع مركز حياتنا.
إذاً أحد الأرثوذكسية يُشدّد على تعليم الكنيسة المستقيم وعلى عقيدة التجسّد الإلهي والتي اختارت الكنيسة المقدسّة أن تضع أحد الأرثوذكسية في بداية الصوم الكبير لتقول لنا أن استقامة الأعمال تتطلب استقامة الإيمان (العقيدة) واستقامة العقيدة تتترجم باستقامة الأعمال أي الصوم والصلاة والصدقة. استقامة المُعتقد (ارثوذوكسية) واستقامة الأعمال (أرثوبراكسيّة) لا ينفصلان عن بعضهما البعض.
الرابط الذي نراه بين إنجيل اليوم وأحد الأرثوذكسية ورفع الأيقونات المقدسّة، أن ما كان مُحرَّماً ومستحيلاً على البشر في العهد القديم أصبح مُستطاعاً ومُباركاً في العهد الجديد مع تجسّد كلمة الله، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس. لو لم يكن المسيح قد أخذ جسداً وصار بشراً لما كان بمقدور فليبس أن يدعو ثنائيل قائلاً له ” تعال وانظر “. لقد سبق يوحنا المعمدان وأعلن لتلاميذه قائلاً:” أنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله “(يوحنا 1: 34) يعود الربّ يسوع ويقول لثنائيل: ” الحق أقول لكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان “(يوحنا 1: 51).
لقد أصبح الربّ يسوع الجسر الواصل بين السماء والأرض، ” لأنه هو سلامنا الذي جعل الإثنين واحداً ونقض حائط السياج المتوسط أي العداوة” (أفسس 2: 14-15).
“لصورتك الطاهرة نسجُد أيها الصالح، مستمديّن مغفرة الخطايا أيها المسيح إلهنا، لأن بمشيئتك سررتَ أن تصعد بالجسد على الصليب، لتُنجي الذين خلقتَ من عبودية العدوّ، فلذلك نهتف لإليك بشكرٍ: لقد ملأتَ الكل فرحاً يا مخلصنا إذ أتيتَ لتُخلص العالم”.
آميـــــــن
المتروبوليت باسيليوس قدسية