القراءة الإنجيلية هي من إنجيل لوقا
الأحد الرابع من لوقا
October 8th, 2019 | By His Eminence, Metropolitan Basilios | Available in English [avatar user=”metropolitan” size=”50″ align=”right” link=”https://www.antiochian.org.au/author/metropolitan/” target=”_blank”][/avatar]
يُعتبر مَثل الزارع من أطول الأمثال وأهمها وهو يَرد في الأناجيل الإزائية الثلاثة (متى – مرقس – لوقا ) وقد وَضَعه الإنجيلي متى في بداية سلسلة من سبعة أمثال تُعرف ” بأمثال ملكوت السموات “( متى 13).
لقد اختار الربّ يسوع ” التعليم بالأمثال ” والمَثل هو قصة ذات معنى روحي حيث كان يَستعمل صُوراً ورموزاً مأخوذة من الحياة اليومية في فلسطين و في هذا المثل اختار الزَرْع والفِلاحة لكي يَكشف لهم ” أسرار ملكوت الله “.
هذا المثل هو من الأمثال القليلة التي شرحها الربّ يسوع بذاته لأن تلاميذه طلبوا منه أن يفعل ذلك. يبدأ المثل بقول الربّ: ” خرج الزارع ليزرَع زرعه” لقد أوضح الربّ يسوع لاحقاً في تفسيره المَثل أن ” الزرع هو كلمة الله” ولكن لم يَقُل من هو الزارع ولكن من الواضح أن الزارع هو المسيح نفسه الذي خَرَج إلى الكرازة بملكوت السموات وهو أيضاً ” كلمة الله المتجسّد”، والكلمة صار جسداً وحلّ بيننا ورأينا مجده”. لقد وحّد الربّ يسوع ذاته مع تعاليمه (بِذاره). ” إن أحبّني أحدٌ يحفظ كلامي ” (يوحنا 14: 23). المسيح هو الزارع الذي يزرع بِذر الكلمة وهذه الكلمات تسقط على السامعين فيتلقفونها بطرق مختلفة.
لقد قسّم الربّ يسوع المستمعون للكلمة إلى أربعة فئات: أولئك الذين على الطريق، على الصخر، في الشوك، والأرض الجيدة.
من الواضح أن المشكلة ليست في نوعية البِذار ولا في الزارع نفسه طالما أنه كان يَنثر البِذار من نفس القفّة ولكن المشكلة كانت في نوعية التربة ( أي الموضع الذي سقطت عليه هذه البذرة) وهنا هي النفس البشرية إذاً نوعية واستعداد النفس البشرية (Soul) هي التي كانت السبب وراء خصب أو عدم خصب البذار وإعطائها الثمار المرجوّة.
الفئة الأولى هم الذين على الطريق ” الذين يسمعون ثم يأتي إبليس وينزع الكلمة من قلوبهم لئلا يؤمنوا فيَخلصوا” هؤلاء لا أساس لهم وهم الذين جعلوا أنفسهم عرضةً لكافة أنواع الأفكار والهرطقات والأيدولوجيات. هم أولئك الذين لم يتركوا مكاناً لكلمة الله وللإيمان فيأتي إبليس من خلال التعليم الفاسد والهرطقات المختلفة ” فينزع الكلمة من قلوبهم لئلا يؤمنوا فيخلصوا”.
أما الذين على الصخر فقبولهم للكلمة هو ” آنيّ وسريع” ولكنه يتلاشى أيضاً بسرعة ويختفي ” إذ ليس لهم أصلٌ وإنما يؤمنون به حين وفي وقت التجربة يرتدّون “. هذا يحدث وقت الشدائد والإضطهادات حتى على مستوى التجارب الشخصية.
القسم الثالث من البشر هم الذين يختنقون بهموم الحياة ولذّاتها إذ لا يوجد لا مكان ولا وتربة حتى يُثمر البِذار.
أما القسم الرابع الأرض الجيدة “فهم الذين يسمعون الكلمة فيحفظونها في قلب جيّد صالح ويثمرون بالصبر”.
يبدو من الفئة الرابعة أن إعطاء الثمار يتطلب عدة أمور أولها: سماع الكلمة ومن ثم حفظها في قلب جيّد أي “عيش الوصية الإلهية” وأخيراً إعطاء الثمَر بالصبر. لقد تكلم الآباء القديسون كثيراً عن فضيلة الإنتباه “attentiveness” وفضيلة اليقظة “watchfulness” وأهميتها مع الصبر “patience” في حفظ الكلمة الإلهية وتطبيقها، إن الثمر يحتاج إلى وقت مع صبر.
إن كلمة المسيح وتعليمه هي التي قَسمت السامعين إلى هذه الفئات الأربعة إذ أن سماع كلمة الربّ يتطلب من السامع موقف وردّ فعل ” لأن كلمة الله سيف ذو حدّين ” (عبرانيين 4: 12). هي كلمة الفَصْل بين الحياة والموت، بين الحياة الأبدية والهلاك الأبدي.
إن نجاح كرازة الإنجيل يتعلق بشكل أساسي باستعداد السامعين وتجاوبهم مع الكلمة. لا ينبغي هنا أن يُلام لا الزارع ولا الزرع إذ كلاهما جيدٌ بل هي نوعية التربة (soil) أي نوعية النفس البشرية (soul) التي تتلقف هذه البِذار من الزارع.
ينتهي هذا المثل بقول الربّ للسامعين: ” من له أذنان للسمع فليسمع” . لقد اعتاد الربّ يسوع أن يُنهي تعليمه بهذه العبارة وليس المقصود طبعاً بالسمع حاسة السمع أي سماع الذبذبات الصوتية في الهواء ولكن السماع هنا بمعنى الإصغاء بانتباه مع محاولة فهم الكلمة ووضع التعليم قيد التنفيذ.
من هو على استعداد لسماع كلمة الربّ والإمتثال لما فيها من وصايا فليكن يقظاً ومتنبّهاً لها وليحفظها في قلب طاهر أي في تربة صالحة نقية وينتظر بصبر الثمار. هذه هي الولادة الجديدة الثانية ” الولادة عِبر الكلمة” التي يتكلم عنها بطرس الرسول أي سماع كلمة الله التي هي ” الزرع غير الفاسد” هذا السماع المُقترن بالعمل يُنمّي ثمار الروح القدس بالنفس البشرية ويُعطي ثمراً كثيراً هو ثمر الطاعة والصبر والرجاء.
” إنكم وُلدتم ولادة ثانية لا من زرعٍ فاسد بل من زرعٍ غير فاسدٍ من كلمة الله الحيّة الباقية ” (1بطرس 1: 23).
آميـــــــــــــــــــــن
+ المتروبوليت باسيليوس قدسيّة