يُسمّى الأحد الثاني من بعد أحد الفصح (القيامة) بأحد ” حاملات الطيب ” حيث تقيم الكنيسة المقدسة تذكار النسوة اللواتي أتينَ باكراً حاملات الطيوب إلى قبر المسيح وكنّ شهوداً على قيامته ومن ثم كارزين ومبشرين بالقيامة للرسل وللعالم أجمع ونكمِّل أيضاً تذكار يوسف الرامي الذي كان تلميذاً مخفيّاً ليسوع مع نيقوديموس التلميذ الذي زار يسوع ليلاً.
القراءة الإنجيلية هي من إنجيل مرقس (الإصحاح 15: 43 و 16: 1- 8)
هذا المصطلح ” حاملات الطيب ” يَشمل النساء اللواتي تبِعنَ يسوع وخدَمنه وكنّ ايضاً معه ساعة الصلب ومن ثم رافقنَ الجسد الطاهر إلى مكان القبر واللواتي نظرنَ القبر وكيف وُضِعَ جسده داخل المقبرة. حاملات الطيب كنّ كثيرات إلا أن الإنجيليين ذكروا المشهورات منهنّ والمذكورات بالإسم فقط.
يجعل التقليد الشريف النسوة الحاملات الطيب سبعة نساء أشهرهم: مريم المجدلية، مريم أم يعقوب ويوسي، وسالومة (أم ابني زبدى)، يونّا امرأة خوزي وكيل هيرودس، سوسنة ومريم ومرتا أختا لعازر. (متى 27: 55- 61)،(مرقس 15: 40)و(مرقس 16: 1)،(لوقا 23: 56) و(لوقا 24: 10)،(يوحنا 19: 38- 42 و20: 10) ولكن مما لا شك فيه أن العدد أكبر من ذلك إذ يشهد كل من الإنجيليين أنه على الصليب ” كانت هناك نساءٌ كثيراتٌ ينظُرن من بعيد وقد تبعنَ يسوع من الجليل”(متى 27: 55، مرقس 15: 40، لوقا 23: 50). كما ينضم إلى هذه المجموعة أيضاً رجلان بارّان هما يوسف الرامي ونيقوديموس التلميذ الذي أتى إلى يسوع ليلاً (يوحنا 3: 1- 2). أما يوسف فيذكر الإنجيلي مرقس أنه كان “مشيراً تقياً وكان متنظراً ملكوت الله” وعند متّى ” كان غنياً وكان هو أيضاً تلميذاً ليسوع (متى 27: 57). هذا ” اجترأ ودخل على بيلاطس وطلب جسد يسوع واشترى كتاناً فأنزله وكفّنه بالكتان ووضعه في قبر كان منحوتاً في صخرة ودحرج حجراً على باب القبر”. (مرقس 15: 43، لوقا 23: 50). وأيضاً نيقوديموس الذي أتى مع يوسف “وهو حامل مزيج مرّ وعدد نحو مئة منّا “(يوحنا 19: 39).
مما لا شك فيه أن حدث القيامة أولاً صار معروفاً عند والدة الإله. نرتل ترتيلة القيامة باللحن السادس (إن القوات الملائكية) ” وصادفَت البتول مانحاً الحياة ” فهي عرفت القيامة قبل النسوة الأُخريات والتلاميذ. لقد ظهر الربّ يسوع أولاً للنسوة لأنه كان من الواجب أن الجنس الذي سَمِعَ قديماً اللعنة في الفردوس هو ذاته أولاً أن يستمع لفرح القيامة والخلاص. ” يا ربّ لما قلت للنسوة افرحنَ فحللت جريرة حوّاء وحولتها إلى فرح ” ( أبوستيخن سحرّ الإثنين لحاملات الطيب).
من خلال القراءات الإنجيلية ومسيرة حياة النسوة حاملات الطيب يمكننا القول أن هناك ثلاث فضائل تميّزت بها هذه المجموعة من النسوة حاملات الطيب: (الجرأة) الشجاعة، الأمانة والإخلاص والمحبة.
أولاً الشجاعة، لقد تغلبت شجاعتهم على خوفهم. لقد “تجرأ” يوسف ودخل على بيلاطس وطلب جسد يسوع ومصاعب كثيرة كانت تواجه هذه النسوة منها الخوف من اليهود والوجود المُفترض للحراس عند القبر، والصعوبة الأكبر هي وجود حجر كبير على باب القبر إذ كنَّ يقلنَ ” من يُدحرج لنا الحجر عن باب القبر” ولكن هذه الصعوبات لم تُثني عزيمتهن ولم تُغيّر من تصميمهن على أن يأتينَ ليطيّبنَ جسد يسوع. إن الشجاعة غلبّت طبيعتهن الضعيفة.
ثانياً: الأمانة والإخلاص، لقد رافقت هذه المجموعة من النساء الربّ يسوع من بداية خدمته وبقينَ أمينات له حتى اللحظة الأخيرة من حياته الأرضية فيذكر الإنجيلي أنه عند صلبه كنّ واقفات ينظرنَ من بعيد. ثم رافقنَ الجسد الطاهر إلى القبر حيث كنّ هناك تنظرنَ أين وُضع ومن بعدها اشترين حنوطاً ليأتين ويَدهنَّه ” وبكّرنَ جداً في أول الأسبوع وأتينَ القبر”.
عندما هرب التلاميذ ولم يبقى منهم أحد ظهرت هذه المجموعة المُخلصة للربّ يسوع وأظهرنَ تفانياً وإخلاصاً كبيرين. حتى بعد أن فقد كثيرون رجائهم وإيمانهم بالربّ يسوع.
إن هاتين الفضيلتين أي الشجاعة والإخلاص هما ثمرة المحبة. المحبة تلد الشجاعة والإخلاص. أما إذا نظرنا إلى طبيعة العمل ( الدور) التي قامت به هذه النسوة الحاملات الطيب فيُمكن تلخيصه أيضاً في ثلاث أدوار: الخدمة، الشهادة والكرازة (البشارة).
أولاً: الخدمة، يذكر لوقا الإنجيلي أنه فيما كان يسوع يُكرز ويُبشر بملكوت الله ومعه الإثنا عشر، كان بعض النساء “يخدمنه من أموالهنّ ” (لوقا 8: 2). لقد كانت النساء بمثابة ” تلميذات للمسيح”.
ثانياً: الشهادة، لقد كنّ شهوداً عيان على موت المسيح ودفنه ومن ثمّ قيامته. يذكر مرقس الإنجيلي أن مريم المجدلية ومريم أم يوسي كانتا تنظران أين وُضع (في القبر) (مر 15: 47)، ومن ثم رأين الحجر قد دُحرج عن باب القبر وشاباً في حلةٍ بيضاء قال لهن “قد قام ليس هو ههنا، هوذا الموضع الذي وضعوه فيه”. ويذكر الإنجيلي متّى أنه فيما مريم المجدلية ومريم الأخرى منطلقتان لتخبرا التلاميذ إذ ” يسوع لاقاهما وقال سلامٌ لكما”. لقد عاينا المسيح القائم من بين الأموات. أما يوحنا الإنجيلي فيذكر أن يسوع قد ظهر لمريم المجدلية وهي واقفة عند القبر خارجاً تبكي (يوحنا 20: 11- 18). لذلك أسمتهم الكنيسة المقدسة ” معاينات القيامة ”
ثالثاً: الكرازة أو البشارة، لقد أعلنت النسوة الحاملات الطيب بُشرى القيامة للرسل أولاً كما أمرهم الملاك: “اذهبن وقُلن لتلاميذه ولبطرس إنه يسبقكم إلى الجليل هناك ترونه كما قال لكم”. لقد استحقت النسوة الحاملات الطيب لقب ” الكارزات بالقيامة ” فهن كنّ ” الرسول إلى الرُسل” والقديسة مريم المجدلية استحقت لقب ” المعادلة للرسل ”
لقد أتت النسوة إلى القبر حاملات طيب ليطيّبنَ جسده الطاهر ولكن من بعد معاينتهم لقيامته تبدَّل دورهنّ وأصبحن كارزات بالقيامة ومبشرات الرسل. لقد أتينَ بدموع وحزن ورجِعنَ بفرح وحبور. ” إن حاملات الطيب لما سمِعنَ أقوال الفرح من الملائكة، سارعنَ في الطريق وغادرنَ ترتيبهن السابق بدل حاملات الطيب شوهدن بشيرات منذرات لمساريّ المسيح بقيامة المتأنس”.
إن تذكار حاملات الطيب هو تكريم لذكرى النساء اللواتي خدمنَ الربّ يسوع ومن خلال تذكارهم تكرِّم الكنيسة المقدسة المرأة المسيحية في الكنيسة وتُقدِّر ما تقدمه من محبة وتضحية وخدمة. إن حياتهم وخدمتهم تُشكل لنا نموذجاً يُحتذى به لكل من يرغب في خدمة الربّ والكنيسة لمجد الربّ القائم من بين الأموات. “هلمّ يا معشر المؤمنين لنمدح يوسف العجيب مع نيقوديموس الفاضل والنسوة المؤمنات حاملات الطيب هاتفين: قد قام الربّ حقاً ” آمين
† المتروبوليت باسيليوس قدسية