هذا الأحد هو أحد العشانين أو أحد الدخول إلى أورشليم، هو المَدخل إلى آلآم المسيح الخلاصية وقيامته الثلاثية الأيام.

القراءة الإنجيلية في القداس الإلهي هي من إنجيل يوحنا الإصحاح 12: 1- 18. أما في صلاة السحر فالقراءة الإنجيلية من متى الإصحاح ( 21: 1- 11، 15- 17). كلا القرائتين يتحدثان عن دخول الربّ يسوع إلى أورشليم واستقباله بالهتاف: “هوشعنا لإبن داوود، مبارك الآتي باسم الربّ، هوشعنا في الأعالي “.

بالعودة إلى إنجيل القداس، يبدأ المقطع الإنجيلي بوصول يسوع إلى بيت عنيا قبل الفصح اليهودي بستة أيام، حيث كان هناك لعازر الذي أقامه يسوع من بين الأموات قبل دخوله الظافر إلى أورشليم. ما حدث في بيت عنيا مهم جداً كونه يمهِّد لموت الربّ وقيامته. كانت إقامة لعازر مختلفة عن سابقاتها، فمن بعد إقامته ابنة يائيروس أولاً من بين الأموات ومن ثم ابن أرملة نائين، أقام لعازر صديقه بعد موته بأربعة أيام، إذ قد بدأ جسده بالتحلّل. أعاد الربّ يسوع صديقه الميّت إلى الحياة، فكان هذا تحقيقاً وبرهاناً أن الربّ يسوع هو سيّد الحياة، لقد كان شاهداً حقيقياً وبرهاناً واضحاً عن القيامة العامة، قيامة جميع الراقدين بالربّ يسوع، نرتل:”أيها المسيح الإله، لمّا أقمت لعازر من بين الأموات قبل آلآمك، حقّقت القيامة العامة “. لقد كانت إقامة لعازر تذوّق مُسبق للقيامة والحياة الجديدة. لقد كانت إقامة لعازر باهرة وكانت برهاناً قاطعاً على ألوهية المسيح حتى أنها كانت السبب في أن كثيرين آمنوا به (بيسوع) وكانت السبب الذي دفع رؤساء الكهنة لتدبير خطة لقتل لعازر أيضاً ” لأن كثيرين من اليهود كانوا بسببه يذهبون فيؤمنون بيسوع “.

أما الحدث الثاني الذي تمّ في بيت لعازر فهو أن مريم أحضرت طيباً جزيل الثمن ” ودهنت قدميّ  يسوع ومسحت قدميه بشعرها” بينما كانت مرتا تخدمه. عمل المحبة هذا استفز سمعان الإسخريوطي الذي رأى فيه إسرافاً وتبذيراً لا مُبرَّر له. من الواضح أن اهتمامه لم يكن بالإحسان ولكن ما حرَّكه هو الطمع وحبّ المال إذ كان وكيلاً للصندوق ويبدو أنه كما يقول الإنجيل كان” سارقاً وكان يحمل ما يلقى فيه “. لقد صدَّه يسوع قائلاً: ” دعها إنما حفظته ليوم دفني “. لقد كان هذا الفعل الممدوح تَحضيراً وإعلاناً لموت الربّ يسوع وتكفينه ودفنه.

القسم الثاني يتكلم عن دخول المسيح إلى أورشليم، لقد دخل يسوع إلى أورشليم فاستقبلته الجموع ” إذ فرش الجمع ثيابهم على الأرض والبعض قطعوا أغصاناً من الشجر وأخذوا سعف النخل وخرجوا للقائه “. فبهذه الأغصان كانوا يشيرون إلى غلبة المسيح على الموت إذ كانت عادة أن يُكرَّم الغالبون في الحروب ويُزفُّوا في المواكب الظفرية بأغصان الشجر. لقد كان دخول المسيح الظافر مُختلفاً عن دخول باقي الملوك، لم يدخل بعربات، أسلحة وجنود وقتل ودمار ودم، بل راكباً على جحش ابن أتان متواضعاً وديعاً مسالماً، هو إله السلام كما يقول بولس الرسول في رسالة اليوم ” إله السلام يكون معكم ” (فيلبي 4: 9)، فتحققت نبؤة زخريا ( 9: 9) ” افرحي يا ابنة صهيون لأن هوذا ملكك يأتي إليك راكباً على جحش ابن أتان”

يُدرك الإنجيلي ويقول أن ما حدث في دخول المسيح إلى أورشليم كان صعباً على التلاميذ أن يفهموه حينها،  ” هذه الأشياء لم يفهمها تلاميذه”، إذ لم يأتي المسيح ليؤسس ملكوتاً أرضياً بل بَشّر ” بملكوت السموات ” هو ملك ولكن كما قال لبيلاطس الملك ” إن مملكتي ليست من هذا العالم ” (يوحنا 18: 36).

لقد دخل إله السلام ( المسيح) إلى مدينة السلام (أورشليم) دخولاً مظفّراً ولكن سلامياً، دخوله هذا كان إعلاناً لبدء ملكوت السموات.

المفارقة هنا أن الشعب الذي استقبله في دخوله إلى أورشليم هو نفسه مَن أرسله خارج أسوار أورشليم للصلب، من كانوا يهتفون ” هوشعنا في الأعالي” سيهتفون بعد بضعة أيام ” اصلبه، اصلبه، ارفعه “، من فرشوا ثيابهم من أجل استقباله كملك سوف يتقاسمون ثيابه فيما بينهم، من حمل أغصان الزيتون وسعف النخيل في استقباله سوف يقدمون له الخلّ والمرارة ويرفعونه على الصليب! إذ اعتقد هؤلاء أن المسيح دخل إلى أورشليم ليُخلصهم من سلطة أرضية مستبدّة أو من حاكم طاغية أو ليقيم لهم ملكوتاً أرضياً ومدينة أرضية، لقد انصدموا عندما دعاهم  قائلاً: ” أحبوا أعدائكم واغفروا لمن يسيء إليكم”، لقد اندهشوا عندما قال لهم ” طوبى لصانعي السلام، طوبى لكم إذا اضطهدوكم وعيّروكم من أجل اسمي…..”. لم يعلموا أنه أتى ليُخلصهم من عبودية الخطيئة وسيادة الموت وليفتتح لهم ملكوتاً سماوياً سلامياً.

أين نقف نحن اليوم في يوم دخول السيّد إلى أورشليم؟! هل نهتف له اليوم ” هوشعنا، مخلصنا في الأعالي” وعندما نُدرك أنه يطلب منا الحبّ والتضحية نُغيّر فكرنا وموقفنا منه ونذهب مع أولئك الذين هتفوا ” اصلبه، اصلبه “. هل نبقى أمينين له حتى اللحظة الأخيرة، كالتلميذ الحبيب، ونُعاين قيامته من بين الأموات فنفرح ونُسَّر ونفهم؟ أمْ نخونه كيهوذا الذي رفض سكب الطيب على السيّد مُتذرعاً بمحبة الفقراء بينما هو كان مُحباً لشهواته؟!

اليوم، في هذا الأحد المبُارك الذي هو مُقدَّمة  الآلام الخلاصية، تطلب منا الكنيسة المقدسّة أن نقدِّم للمسيح الفضائل الإلهية والأعمال الصالحة بدلاً من سُعف النخل، وأن نرتل له بقلوب نقية كقلوب الأطفال العديمي الشرّ، ” أوصانا في الأعالي، مُبارك الآتي باسم الربَ”.

” لنقدمّن يا إخوة سُعف الفضائل للمسيح الإله القادم ليتألم لأجلنا باختياره كإنسان ليمنح الجميع عدم التألم بقوة اللاهوت”.

      آميــــــن

     + المتروبوليت باسيليوس  قدسيّة