See article in English – click here
هذا الأحد هو الأحد الرابع من الصوم الأربعيني المقدّس وهو معروف أيضاً بأحد القديس يوحنا السلَّمي ( نسبة إلى كتاب شهير كتبه بعنوان سلَّم الفضائل). لقد خصصّت الكنيسة المقدّسة الآحاد الرابع والخامس للقديسَين يوحنا السلَّمي والقديسة مريم المصرية وكلاهما نموذجان هامان للصوم والصلاة والتوبة الحقيقية والتي نحتاجها في فترة الصوم الأربعيني المقدّس.
إن الإحتفال بتذكار هذا القديس العظيم مأخوذ من الترتيب والعادة السائدة في الأديار المقدسة إذ كان يُقرأ فيها كتاب القديس يوحنا السلمي كقراءة مُحدّدة للرهبان في فترة الصوم الأربعيني. يصف القديس يوحنا في كتابة ( سلم الفضائل ) ومن خلال ثلاثون درجة (أو تعليم) كيفية ارتقاء الروح نحو الله كصُعود سلّم الفضائل الإلهية، وهو يُعلم أولئك الذين يسعون إلى الخلاص في كيفية إرساء أساس متين للجهاد الروحي. كيفية تحديد الأهواء ومحاربتها، وسبل تجنب الفخاخ الشيطانية وكيفية النهوض من الفضائل الأوليّة إلى كمال المحبة والتواضع الإلهيين. أما القراءة الإنجيلية فهي من (مرقس 9: 17- 31).
يبدأ المقطع الإنجيلي بإنسان أتى إلى يسوع ساجداً وطالباً منه أن يشفي ابنه الذي به ” روح أبكم “. يصف هذا الأب المتألم العوارض التي تنتاب ابنه هذا المسكون من الشيطان. من يقرأ هذه العوارض التي تصيب هذا الصبي ” كان يصرعه فيزبد ويصرف بأسنانه وييبس” سوف يعتقد أن هذه العوارض هي عوارض لشخص مصاب ” بالصرع” أو بأي مرض عقلي كالجنون مثلاً. إذ أن عوارض الصَرَع قد تتشابه مع هذه العوارض المذكورة في الحادثة. ولكن مما لا شك فيه أن هذا الصبي كان مسكوناً ” بروح نجس ” كما يُسميه الربّ يسوع. من الواضح تماماً أن هذا الصبي لم يكن يتحكّم بحركاته أو تصرفاته بل كان خاضعاً لقوة خارجية هي قوة الشرير. هذا الروح “الأبكم والأصم” عدو كلّ خير كان يؤذي الصبي فكان ” كثيراً ما يُلقيه بالنار وفي المياه ليهلكه “.
هذه الحادثة تثبت حقيقة وجود الشيطان. إذ أن الشيطان أو ” الروح الشرير” ليس مجرد فكرة أو وهم بل الشيطان ” كائن ” حقيقي وموجود. الربّ يسوع نفسه أعلن للتلاميذ قائلاً : ” رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء” (لوقا 1: 17). لقد انتهر الربّ يسوع ” الروح النجس ” قائلاً له: ” أنا آمرك أن أخرج منه ولا تعُد تدخل فيه ” لقد أثبت الرب يسوع سلطانه على الأرواح الشريرة والذي كانت إحدى علامات اقتراب ملكوت السموات.
يقول الإنجيل أن يسوع عندما سأل تلاميذه أن يأتوا بالصبي إليه، لما رآه ” للوقت صرعه الروح فسقط على الأرض يتمرّغ ويزبد”. لقد أدرك ” الروح الشرير ” أنه يقف أمام ربّ القوات له المجد فأخذ يتخبّط. لقد أدرك أن نهايته قريبة فتصرّف كما يتصرّف وحش مفترس مُصاب إصابة مُميتة وفيما هو يتخبطّ يُحاول المحاولة الأخيرة للهجوم والأذيّة.
يبدو جليّاً أن ضُعفَ الإيمان كانت السبب وراء عدم قدرة التلاميذ على طرد هذا ” الروح النجس ” لهذا سأل الربّ يسوع أب الصبي قائلاً له: ” إن استطعت أن تؤمن فكل شيء مُستطاع للمؤمن”. إن موقف والد الصبي يُعتبر من أجمل مواقف التواضع والإيمان. لقد أجاب بدموع حارّة قائلاً: ” إني أؤمن يا ربّ، ولكن ربما إيماني يتزعزع في بعض المرات بسبب هَولْ التجارب وصعوبتها، ولكن أنت شدِّد إيماني وثبته على صخرة الإعتراف بك.
لقد سأل التلاميذ معلمهم ” لماذا لم نستطع نحن أن نخرجه، فقال لهم “إن هذا الجنس ” لا يُمكن أن يخرج بشيء إلا بالصلاة والصوم”. يظهر من هذا التعليم أن الصلاة والصوم شرطان ضروريان للتغلب في الحرب على الشيطان، هما أساسيان في الحياة الروحية وللإيمان وليسا أمران زائدان أو قيمة مُضافة على جهادنا الروحي. الصوم والصلاة ليسا حكراً على الرهبان والراهبات بل هما للجميع وإن اختلفت طريقة ودرجة ممارستهما بين العلمانيين والرهبان. الربّ يسوع نفسه صام أربعين يوماً قبل التجربة ويُذكر في الأناجيل أنه كان دائماً يتفرد عن التلاميذ للصلاة (لو 22: 39) و(مرقس 1: 35).
في هذا الأحد الرابع من الصوم الأربعيني نكون قد تجاوزنا نصف زمان الصيام المقدّس فتُقدِّم لنا الكنيسة المقدسّة سلاحان روحيان فعالان لنتابع مسيرتنا نحو الكمال هما الصوم والصلاة المذكوران في المقطع الإنجيلي. كما تضع أمامنا نموذجاً ومثالاً للفضيلة والنسك يُحتذى به في مسيرتنا نحو الكمال وهو تذكار القديس يوحنا السلّمي التي تدعوه الكنيسة : ” فخر النسّاك، الذي كان على الأرض ملاكاً وفي السماء إنسان الله. زينة العالم، نعيم الفضائل والصالحات “. ( غروب الأحد )
آميـــــــــن
المتروبوليت باسيليوس قدسية