See article in English – click here
هذا الأحد معروف بأحد المرأة الكنعانية والقراءة الإنجيلية من متى الإصحاح 15 عدد 21- 28.
يتحدث متى الإنجيلي أن الربّ خرج إلى نواحي صور وصيدا أي إلى المناطق التي كانت تسكنها الأمم الوثنية، يذكر مرقس الإنجيلي أن هذه المرأة ” كانت أمميّة وفي جنسها فينيقية سورية” (مرقس 7: 26). لقد خرجت هذه المرأة من المناطق الوثنية واتجهت نحو يسوع وهي تصرخ هذه الصلاة، صلاة مؤمنة يهودية ” ارحمني يا رب يا ابن داوود “. لقد رأينا في حوادث أخرى أن أشخاصاً من خلفية يهودية مؤمنة قد ردّدوا هذه الصلاة أو الطِلبَة عندما أرادوا من الربّ يسوع أن يشفيهم كالأعمى مثلاً. ولكن هذه هي المرة الأولى التي تأتي هذه الصلاة من شفاه امرأة كنعانية وثنية ليست من نسل ابراهيم وليست من الشعب المُختار المُنتظِر لقدوم الماسيّا. ربما كانت هذه المرأة الكنعانية أول امرأة من خلفية وثنية تقبل الإيمان بالربّ يسوع مُخلِّصاً. لقد أتت تطلب من الربّ أن يشفي ابنتها إذ كان بها ” شيطان يُعذِّبها جداً “. لقد سمِعَت وآمنت بسلطان الربّ يسوع على الأرواح النجِسة فأتت بإيمان تطلب من الربّ أن يشفي ابنتها.
لقد تجاهل الربّ يسوع أولاً طلب هذه المرأة، يقول الإنجيلي متى أنه ” لم يُجبها بكلمة “. ربما أراد الربّ يسوع أن يكشُف للرسل وللآخرين إيمان هذه المرأة و ثباتها في طلبتها فتجاهل طلبها أو ربما أراد أن يؤكد أنه قد أتى أولاً ليُبشِّر اليهود ومن ثم هؤلاء سوف ينطلقون للبشارة نحو الأمم الوثنية. لقد حاول التلاميذ أن يتوسطوا لهذه المرأة لدى الربّ يسوع أن يُتمّم لها طلبها حتى يصرفها إذ يبدو أنها كانت تصيح وتصرخ خلفهم وربما سببت إزعاج وبلبلة للجموع.
لقد أجابهم الربّ يسوع ” لم اُرسَل إلاّ إلى الخِراف الضالة من بيت اسرائيل “. هذا ما كان قد أعلنه الربّ يسوع عند بداية كرازته واختياره للإثني عشر، أعطاهم وصيّة قائلاً: ” إلى طريق الأمم لا تمضوا، بل اذهبوا بالحرّي إلى خراف بيت إسرائيل الضّالة ( متى 10: 6) ولكن هذا لا يتعارض البتة من أن الربّ يسوع قد أتى من أجل كل البشرية حتى الأمم الوثنية. نقرأ في إنجيل متى الإصحاح الرابع أنه من بعد معموديته والتجربة على الجبل نزِل وسكن في الناصرة أي في منطقة جليل الأمم، فتمت نبؤة أشعياء : ” الشعب الجالس في الظلمة أبصر نوراً عظيماً والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نورٌ”. إذ كان الهدف الأقصى لكرازة المسيح تبشير كافة الأمم حتى الوثنية منها.
إن تجاهل الربّ يسوع للمرأة الكنعانية لم يُثني عزيمتها فأتت وسجدت له. هنا أظهرت بالقول والفعل إيمانها المطلق بالربّ يسوع كمخلص. لقد سجدت وصلّت قائلة: ” أغثني يا رب “. وهنا أجاب يسوع هذا الجواب الذي يبدو صادماً وقاسياً للبعض: ” ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويُلقى للكلاب “. أي ليس من العدل أن يتم تفضيل الغريب (الوثني) على البنين أي أبناء ابراهيم (اليهود).
هنا لا بد من الإشارة أن يسوع لم يقصد إهانة المرأة شخصياً والدليل أنه ” أجاب ” ولم يقل الإنجيلي متى أنه ” أجابها “. لقد تكلم يسوع بما كان يُفكر به المحيطون به وبما كان سائداً في أوساط الشعب اليهودي من أن الأمم الوثنية حسب الشريعة الموسوية تُعتبر ” نَجِسة “بسبب عدم إيمانها بالإله الواحد. لقد استخدم يسوع تعبيراً مجازياً لم يقصد به إهانة المرأة الكنعانية بقدر ما كان يهدف من هذا الجواب إبراز إيمانها وتواضعها وصبرها.
إن جواب الربّ يسوع هذا دفع المرأة الكنعانية لإظهار إيمان وتواضع أعظم. لقد قَبِلَت هذه النظرة الدونية للشعب الوثني من أجل أن تنال الخلاص. لم تُبالِي بما يقوله الآخرون عنها طالما أنها سوف تُحسب مع البنين. لقد تجاوزت هذه المرأة بإيمانها وتواضعها الهوّة بين البنين وبين الوثنيين. لقد أثنى الربّ يسوع على إيمان هذه المرأة. ” يا امرأة عظيم إيمانك فيكن لك كما أردتٍ ” فشُفيت ابنتها من تلك الساعة.
لقد فَتحَت هذه المرأة الكنعانية الوثنية بإيمانها وتواضعها الطريق لاحقاً إلى الأمم الوثنية للدخول في الإيمان المسيحي. لقد أعطى الربّ يسوع وصيته لتلاميذه من بعد قيامته أن ” اذهبوا وتلمذوا كل الأمم وعمّدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس (متى 28: 19).
لقد كتب متى الإنجيلي إنجيله لليهود وهو أراد من خلال التركيز على هذه الحادثة أن يُذكِّرهم من أن ” الله سيدعوا كل أقاصي الأرض لتتوب إليه وتَخلُص وتَعبُده وحده ” أشعيا ( 45: 22- 23) ومن أن الله سيأتي بالغرباء إلى جبله المقدّس ليشاركوا في السجود له هناك ( أشعيا 56: 7).
إن الحوادث اللاحقة كإيمان قائد المئة والمرأة السامرية برهان على أن عمل الله الخلاصي يبدأ من الجماعة اليهودية كنقطة بداية ولكنه مفتوح للجميع من دون استثناء إذ أنه في الميسح يسوع” ليس يهودي ولا يوناني. ليس عبد ولا حر. ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع. فإن كنتم للمسيح فأنتم إذاً نسل ابراهيم وحسب الموعد ورثة”. (غلاطية 3: 28- 29).
آميـــــــــــــــن
المتروبوليت باسيليوس قدسيّة